الجودة في التعليم والمعرفة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الجودة في التعليم والمعرفة
الجودة في التعليم والمعرفة
منذ عقود
من الزمن، وبعد ظهور مصطلح "الجودة" بوصفه الأفضل والأحسن والأتقن، ظل هذا المصطلح مرتبطًا بالاقتصاد
والتجارة في الحياة الذهنية للإنسان· ومع التقدم التقاني الذي عاشته الدول الصناعية،
استعادت الشركات والمصانع والمؤسسات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الحديثة مفهوم
"الجودة" لتتنافس من خلاله، وفيما بينها، لهذه التقنية أو تلك، وامتد الصراع
والتنافس في هذه المجالات ليشمل الدول الصناعية المتقدمة فيما بينها· ودخل المفهوم
مؤسسات التقييس والسيطرة النوعية، حيث وضعت الضوابط والمؤشرات التقويمية
للمنتوجات عمومًا· وأصبح مفهوم الجودة رائجًا على لسان المديرين والناشطين ومسؤولي
الدعاية في المصانع والشركات، حيث الإبداع والابتكار في تحديد أفضل المواصفات
للمنتوجات والتي غالبًا ما تغري المستهلك لاقتنائهاوالاستمتاع بها,
ارتبطت الجودة عبر الزمن
بالأسعار، حيث يزيد سعر المنتوج كلما كانت
النوعية أفضل· ومن هنا اقترنت الجودة في المعاملات التجارية والاقتصادية بمفهوم الاحترام
والتقدير والإشادة، واستحقت الشركة التي تسوق منتوجًا ذا جودة عالية، ووفق المواصفات
والقياسات التي تحددها مؤسسات التقييس والسيطرة النوعية في العالم، الجوائز والهدايا
والشهادات التقديرية· أما بالنسبة للتعليم، فإن الإنسان يبحث منذ البداية لنفسه
ولأهله وذويه عن الأفضل، أي أننا جميعًا نبحث عن الجودة في التعليم، رغبة وهدفًا في
إشباع حاجاتنا الأساسية في المجالات المختلفة، لكن المشكلة في هذا الموضوع، هي أن
الأمم والدول في معظمها تبنت مسألة التعليم، وصارت تبحث عن الوسائل والطرائق التي
تحقق من خلالها أهدافها في توسيع الرقعة الجغرافية، التي يمكن أن يقدم فيها التعليم
لمن يريد، بل وحتى لمن لا يريد أحيانًا في إطار "منهج التعليم الإلزامي
للصغار والكبار"، ولأهمية التعليم في حياة الفرد، ولارتباطه برقي وتقدم المجتمعات، لأنه العدو
الأوحد للجهل، أصبح التعليم مطلبًا جماهيريًا عند الشعوب، وورقة تتباهى بها
الدول فيما بينها، حيث نسبة الأمية والتعليم في هذا البلد أو ذاك صارت مؤشرًا على
مدى اهتمام قيادة الدولة بمواطنيها، وحرصها على تقدمهم ورقيهم، ومن ثم تقدم
المجتمع وانتصاره على آفة الجهل المدمرة، لذلك ارتبط مفهوم التعليم في ذهن المواطن
والمسؤول في الدولة، والحديث الآن عن الدول النامية، بالمجانية بوصفه حقًا مشروعًا
وحاجة ملحة، ترغب فيها الدولة كما يرغب فيها المواطن، حتى صارت مجانية التعليم فقرة
تتوافر في القوانين الأساسية للدول، والدساتير التي تصدرها حتى بعض الدول الأوروبية
(الغربية) منها· ويبقى السؤال ملحًا في أذهان التربويين والمفكرين من أبناء هذه
الدول ومن يهمهم أمر التعليم وكيفيته ونوعيته ومن ثم جودته ! هل ترافقت
مجانية التعليم مع الجودة بالتعليم؟ والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى الكثير من
الدقة والمتابعة من جهة، وإلى الدراسات والبحوث الميدانية قي طبيعة العملية
التعليمية من جهة أخرى· لكن المؤشرات الأولية فقط عن هذا الموضوع تقودنا إلى أن
الوطن العربي عمومًا يشهد انتكاسة كبيرة في الجودة بالنسبة للتعليم على مختلف
مراحله، ولأسباب متعددة، وعوامل شتى تتحكم قسرًا بالعملية التعليمية·
إن تحقيق الجودة في التعليم والمعرفة، لا
يمكن أن يقارن أبدًا مع مبدأ الجودة في
الإنتاج الصناعي أو التجاري أو التقاني أو الزراعي، لأن الأسس التي تتحكم بالقياسات والمواصفات لكل
منها تختلف كثيرًا بعضها عن البعض الآخر· إن التعليم والمعرفة قيمتان وركيزتان
تعتمدان على العقل والفكر بشكل أساس، وبذلك فهما ومن خلال نتاجاتهما يرتبطان
بالجانب الفكري والروحي عند الإنسان، أكثر من ارتباطهما بالجانب المادي· أما الجودة
في الجوانب الأخرى التي سبق ذكرها، فهي ترتبط بالجانب المادي أكثر من ارتباطها
بالجانب الفكري· وفي هذا لنا عودة للديكارتية وطبيعة العلاقة بين المادة والعقل· لقد
شلّت دعوة الفيلسوف الرياضي الكبير ديكارت العقول على مدى قرون، عندما صرّحت بضرورة
العزل الكلي بين المادة والعقل، أو المادة والفكر! حيث تكونت في ضوئها العديد من
المدارس والنظريات والعلوم والمناهج التي تدعو إلى الانفصال الكامل بين الاثنين!
وتلك مشكلة معرفية بحد ذاتها، ما زلنا نعانيها حتى يومنا هذا·
ومن أجل أن يكون لنا دور فاعل في تحقيق
الجودة في
التعليم والمعرفة لا بد لنا أن نستقي من الفكر الإنساني منهجًا مرنًا مطواعًا
وواعدًا، نستطيع في ضوئه أن نحقق الجودة بعد
أن نسعى إليها من خلال هذا المنهج·
إن المنهج الذي أقترحه هنا، هو منهج
"الصيغة أو الشكل" الذي يستمد أساسه النظري من نظرية الجشطالت التي تعتمد على الظاهراتية
كمنهج فلسفي، وعلى الفيزياء كحقول للطاقة والجهد الكهربائي· وهذا ما سنتعرض إليه
بإيجاز في هذه المقالة متوخين القبول لهذه الفكرة بطروحاتها المتجددة·
إن الجودة في التعليم والمعرفة هي
الورقة التي لا بد للتربويين والمثقفين
والمفكرين أن يستثمروها من أجل غد أفضل، وقد لا أبالغ في القول (وأرجو ألا ينظر إلى حديثي على أنه
يتضمن اليأس والإحباط)، إنها الورقة النادرة بين أيدينا لكي نبني أمة قوية ورصينة
ومتقدمة· لقد سبقتنا أمم أخرى منذ عقود طويلة من الزمن عندما تنبهت إلى مسألة الجودة
في التعليم والمعرفة، وها هي الأمم تلك تهيمن على العالم بقوتها ومعرفتها، وتعليم
أبنائها ورقي علومها وتقنياتها!
الجودة في التعليم
لقد اهتم العالم المتقدم بالتعليم، اهتمامًا
بارزًا ومتميزًا، ولنا في التجربة اليابانية
بعد الحرب العالمية الثانية، المثل الأصدق، حيث قدمت الدولة الجديدة للتعليم وأدواته ورجاله
ومستلزماته كل الدعم والإسناد، بوصفه المحطة الأساس في حياة الفرد للعبور نحو
التقدم والتطور·وشمل الدعم والإسناد كل البنى التحتية للعملية التعليمية ابتداء
من التلميذ ورعايته صحيًا وبدنيًا ونفسيًا، وقيافته وهندامه، واحتياجاته
المدرسية، وصولاً إلى المدرس وأجوره المجزية جدًا، مع الرعاية الخاصة لجميع مستلزمات
حياته، مرورًا بمستلزمات العملية التعليمية، وما تنطوي عليه من وسائل إيضاح وأثاث
ووسائل نقل وغيرها· والأهم من هذا، خضعت المناهج التعليمية والمفردات الدراسية إلى
برامج تجديد مستمرة لتواكب التقدم والتطور المستمرين، فضلاً عن القفزة النوعية في
طرائق التدريس، إذ أصبح المفهوم التقليدي للتعليم والتدريس ونظام الامتحانات
والاختبارات جزءًا من الماضي، حيث أدخلت الطرائق الجديدة التي تعتمد أسلوب الإبداع
والابتكار في طرح المفاهيم التعليمية ·
ومع توافر مختبرات التجارب والمدن العلمية
المصغرة والمكتبات وساحات الرياضة البدنية، وبرامج التدريب المستمرة وتأكيد
الجوانب العملية والتطبيقية في التعليم، أصبحت المدارس على اختلاف مستوياتها الابتدائية
والإعدادية والثانوية، عبارة عن جامعات مصغرة، لا يبرحها التلميذ إلا وهو متسلح
بأدوات العلم والمعرفة على أعلى المستويات في الجودة والإتقان، خصوصًا توجيه
التلاميذ ومنذ نهاية المرحلة الابتدائية إلى أسلوب التفكير العلمي السليم، والبحث
العلمي الجاد مع تعزيز قدرات العقل النقدي المتفتح لدى هؤلاء التلاميذ·
ولتحقيق الجودة في نظامنا التعليمي
والتربوي نقترح الحلول التالية:
- توفير الإمكانات والمستلزمات الضرورية
والأساسية للمعلم على مختلف المستويات
(ابتدائي، ثانوي، جامعي) وجعله سعيدًا وفخورًا بمهنته الشريفة، لا أن تكون مهنته عبئًا عليه،
مع التدريب المستمر للمعلم على أحدث الثقافات والمعارف· فضلاً عن ذلك، لا بد من
تقديم الرعاية الحقيقية للتلميذ أو الطالب، وجعله سعيدًا وفخورًا بمدرسته
ومدرسيه، وفسح المجال أمامه للتدريب والانتقال بالمدرسة من بناية ذات قاعات مغلقة
وساعات محددة جامدة إلى المدرسة المفتوحة التي يستطيع الطالب فيها أن يعبر عما
في دواخله بحرية وانفتاح ومرونة·
- لا يمكن للجودة أن تتحقق في التعليم إلا من
خلال تأسيس المنهج الفكري السليم الذي تسير عليه هذه العملية التعليمية، التي تضمن
إضافة للعلوم والمعارف التي يتلقاها الطالب، منظومات القيم الأخلاقية، ونظم
العلاقات الإنسانية، ووسائل الاتصال المتطورة وغيرها من الصيرورات التي تجعل من حياة
الطالب في المدرسة متعة ولذة، فضلاً عن المادة العلمية التي يتلقاها· ومن أهم
أسس المنهج الفكري السليم لتحقيق الجودة في التعليم، صياغة المناهج وفق أسلوب
النظرية الجشطالينة ـ أي الصيغة أو الشكل ـ والتي استفادت من الظاهرانية كثيرًا، ومن خلال طبيعة العلاقة
التكاملية والتضامنية بين الذات والموضوع
وكما بشر بها الفيلسوف هورل·
إن نظرية
الشكل، تصلح لصياغة كل مناهج التعليم على
اختلاف أنواعها ومراحلها، لأنها تعتمد الخبرة الشخصية للفرد، وتعول عليها، إضافة للنظرة
المعمقة للكل بوصفه أكبر من مجموع الأجزاء· لقد حاولت نظم التعليم في الوطن العربي
الاستفادة من هذه النظرية في الصفوف الأولى والثانية من المدارس الابتدائية، لكنها لم
تستفد كثيرًا بالنسبة للمراحل التعليمية الأخرى، بل على العكس، ظل التعليم
روتينيًا وتقليديًا وخاليًا من أساليب التفكير الإبداعي والابتكاري، والتي تعتبر اليوم
أساس البناء المتطور في العملية التعليمية وصولاً إلى الجودة·
الجودة في المعرفة
على الرغم من الصعوبات التي تواجه التربويين والمفكرين في وطننا
العربي بتحديد المادة المعرفية وتسميتها على أنها الأجود والأفضل، تبقى الجودة في
المعرفة مرتبطة بشكل أساس بمستوى الوعي لدى الناس· فكلما تطور التعليم باتجاه الأجود،
أصبحت العقول التي تكتسب الأفكار والعلوم والمعارف أكثر
مرونة وانفتاحًا· وهي بدورها، عندما تكون
على هذا المستوى
من الرحابة والتفتح، تصبح أكثر انجذابًا وتفاعلاً مع المعرفة الجيدة أيًا
كان منبعها وجذورها وأصلها· إن إشكالية
العقل العربي اليوم، أنه يضع الأحكام ويكيل التهم الباطلة أحيانًا على العديد من المعارف، مدعيًا
أنها معارف باطلة أحيانًا، أو مسمومة أحيانًا أخرى حتى أصبح مفهوم "الغزو
الثقافي" أو "الاختراق المعرفي" حاضرًا في العديد من الخطب والكلمات والمقالات والبرامج
الإذاعية والتلفزية، إذ يتسابق بعض الكتاب إلى الحديث عن العولمة مثلاً، مصورًا إياها
بالبشاعة والمؤامرة والاختراق والتحدي· وطبعًا هناك من يصغي ويتعلم ويردد ببغاويًا دون
أن يفهم بجدارة وحذاقة المعنى الحقيقي للعولمة الثقافية والفكرية· إن عولمة
المعرفة مع الاحتفاظ بخصوصيتنا بوصفنا عربًا ومسلمين· تجعلنا نختار الأفضل والأجود
والأحسن في عالم مليء بالسيئ والباطل· ولكن متى نفتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من
العولمة؟؟ نستطيع أن نجازف بهذا المشروع الفكري الحضاري فقط، عندما يزداد وعينا،
وتتقوى معارفنا، ويصبح تعليمنا جيدًا وحرًا ومبدعًا، حيث المرونة والانفتاح في
التعبير عن الرأي من ناحية واحترام الرأي الآخر من ناحية أخرى· وبهذا نستطيع أن
نبدأ الخطوات الأولى على طريق الجودة في التعليم والمعرفة من أجل غد أفضل وحياة أجمل·
منذ عقود
من الزمن، وبعد ظهور مصطلح "الجودة" بوصفه الأفضل والأحسن والأتقن، ظل هذا المصطلح مرتبطًا بالاقتصاد
والتجارة في الحياة الذهنية للإنسان· ومع التقدم التقاني الذي عاشته الدول الصناعية،
استعادت الشركات والمصانع والمؤسسات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الحديثة مفهوم
"الجودة" لتتنافس من خلاله، وفيما بينها، لهذه التقنية أو تلك، وامتد الصراع
والتنافس في هذه المجالات ليشمل الدول الصناعية المتقدمة فيما بينها· ودخل المفهوم
مؤسسات التقييس والسيطرة النوعية، حيث وضعت الضوابط والمؤشرات التقويمية
للمنتوجات عمومًا· وأصبح مفهوم الجودة رائجًا على لسان المديرين والناشطين ومسؤولي
الدعاية في المصانع والشركات، حيث الإبداع والابتكار في تحديد أفضل المواصفات
للمنتوجات والتي غالبًا ما تغري المستهلك لاقتنائهاوالاستمتاع بها,
ارتبطت الجودة عبر الزمن
بالأسعار، حيث يزيد سعر المنتوج كلما كانت
النوعية أفضل· ومن هنا اقترنت الجودة في المعاملات التجارية والاقتصادية بمفهوم الاحترام
والتقدير والإشادة، واستحقت الشركة التي تسوق منتوجًا ذا جودة عالية، ووفق المواصفات
والقياسات التي تحددها مؤسسات التقييس والسيطرة النوعية في العالم، الجوائز والهدايا
والشهادات التقديرية· أما بالنسبة للتعليم، فإن الإنسان يبحث منذ البداية لنفسه
ولأهله وذويه عن الأفضل، أي أننا جميعًا نبحث عن الجودة في التعليم، رغبة وهدفًا في
إشباع حاجاتنا الأساسية في المجالات المختلفة، لكن المشكلة في هذا الموضوع، هي أن
الأمم والدول في معظمها تبنت مسألة التعليم، وصارت تبحث عن الوسائل والطرائق التي
تحقق من خلالها أهدافها في توسيع الرقعة الجغرافية، التي يمكن أن يقدم فيها التعليم
لمن يريد، بل وحتى لمن لا يريد أحيانًا في إطار "منهج التعليم الإلزامي
للصغار والكبار"، ولأهمية التعليم في حياة الفرد، ولارتباطه برقي وتقدم المجتمعات، لأنه العدو
الأوحد للجهل، أصبح التعليم مطلبًا جماهيريًا عند الشعوب، وورقة تتباهى بها
الدول فيما بينها، حيث نسبة الأمية والتعليم في هذا البلد أو ذاك صارت مؤشرًا على
مدى اهتمام قيادة الدولة بمواطنيها، وحرصها على تقدمهم ورقيهم، ومن ثم تقدم
المجتمع وانتصاره على آفة الجهل المدمرة، لذلك ارتبط مفهوم التعليم في ذهن المواطن
والمسؤول في الدولة، والحديث الآن عن الدول النامية، بالمجانية بوصفه حقًا مشروعًا
وحاجة ملحة، ترغب فيها الدولة كما يرغب فيها المواطن، حتى صارت مجانية التعليم فقرة
تتوافر في القوانين الأساسية للدول، والدساتير التي تصدرها حتى بعض الدول الأوروبية
(الغربية) منها· ويبقى السؤال ملحًا في أذهان التربويين والمفكرين من أبناء هذه
الدول ومن يهمهم أمر التعليم وكيفيته ونوعيته ومن ثم جودته ! هل ترافقت
مجانية التعليم مع الجودة بالتعليم؟ والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى الكثير من
الدقة والمتابعة من جهة، وإلى الدراسات والبحوث الميدانية قي طبيعة العملية
التعليمية من جهة أخرى· لكن المؤشرات الأولية فقط عن هذا الموضوع تقودنا إلى أن
الوطن العربي عمومًا يشهد انتكاسة كبيرة في الجودة بالنسبة للتعليم على مختلف
مراحله، ولأسباب متعددة، وعوامل شتى تتحكم قسرًا بالعملية التعليمية·
إن تحقيق الجودة في التعليم والمعرفة، لا
يمكن أن يقارن أبدًا مع مبدأ الجودة في
الإنتاج الصناعي أو التجاري أو التقاني أو الزراعي، لأن الأسس التي تتحكم بالقياسات والمواصفات لكل
منها تختلف كثيرًا بعضها عن البعض الآخر· إن التعليم والمعرفة قيمتان وركيزتان
تعتمدان على العقل والفكر بشكل أساس، وبذلك فهما ومن خلال نتاجاتهما يرتبطان
بالجانب الفكري والروحي عند الإنسان، أكثر من ارتباطهما بالجانب المادي· أما الجودة
في الجوانب الأخرى التي سبق ذكرها، فهي ترتبط بالجانب المادي أكثر من ارتباطها
بالجانب الفكري· وفي هذا لنا عودة للديكارتية وطبيعة العلاقة بين المادة والعقل· لقد
شلّت دعوة الفيلسوف الرياضي الكبير ديكارت العقول على مدى قرون، عندما صرّحت بضرورة
العزل الكلي بين المادة والعقل، أو المادة والفكر! حيث تكونت في ضوئها العديد من
المدارس والنظريات والعلوم والمناهج التي تدعو إلى الانفصال الكامل بين الاثنين!
وتلك مشكلة معرفية بحد ذاتها، ما زلنا نعانيها حتى يومنا هذا·
ومن أجل أن يكون لنا دور فاعل في تحقيق
الجودة في
التعليم والمعرفة لا بد لنا أن نستقي من الفكر الإنساني منهجًا مرنًا مطواعًا
وواعدًا، نستطيع في ضوئه أن نحقق الجودة بعد
أن نسعى إليها من خلال هذا المنهج·
إن المنهج الذي أقترحه هنا، هو منهج
"الصيغة أو الشكل" الذي يستمد أساسه النظري من نظرية الجشطالت التي تعتمد على الظاهراتية
كمنهج فلسفي، وعلى الفيزياء كحقول للطاقة والجهد الكهربائي· وهذا ما سنتعرض إليه
بإيجاز في هذه المقالة متوخين القبول لهذه الفكرة بطروحاتها المتجددة·
إن الجودة في التعليم والمعرفة هي
الورقة التي لا بد للتربويين والمثقفين
والمفكرين أن يستثمروها من أجل غد أفضل، وقد لا أبالغ في القول (وأرجو ألا ينظر إلى حديثي على أنه
يتضمن اليأس والإحباط)، إنها الورقة النادرة بين أيدينا لكي نبني أمة قوية ورصينة
ومتقدمة· لقد سبقتنا أمم أخرى منذ عقود طويلة من الزمن عندما تنبهت إلى مسألة الجودة
في التعليم والمعرفة، وها هي الأمم تلك تهيمن على العالم بقوتها ومعرفتها، وتعليم
أبنائها ورقي علومها وتقنياتها!
الجودة في التعليم
لقد اهتم العالم المتقدم بالتعليم، اهتمامًا
بارزًا ومتميزًا، ولنا في التجربة اليابانية
بعد الحرب العالمية الثانية، المثل الأصدق، حيث قدمت الدولة الجديدة للتعليم وأدواته ورجاله
ومستلزماته كل الدعم والإسناد، بوصفه المحطة الأساس في حياة الفرد للعبور نحو
التقدم والتطور·وشمل الدعم والإسناد كل البنى التحتية للعملية التعليمية ابتداء
من التلميذ ورعايته صحيًا وبدنيًا ونفسيًا، وقيافته وهندامه، واحتياجاته
المدرسية، وصولاً إلى المدرس وأجوره المجزية جدًا، مع الرعاية الخاصة لجميع مستلزمات
حياته، مرورًا بمستلزمات العملية التعليمية، وما تنطوي عليه من وسائل إيضاح وأثاث
ووسائل نقل وغيرها· والأهم من هذا، خضعت المناهج التعليمية والمفردات الدراسية إلى
برامج تجديد مستمرة لتواكب التقدم والتطور المستمرين، فضلاً عن القفزة النوعية في
طرائق التدريس، إذ أصبح المفهوم التقليدي للتعليم والتدريس ونظام الامتحانات
والاختبارات جزءًا من الماضي، حيث أدخلت الطرائق الجديدة التي تعتمد أسلوب الإبداع
والابتكار في طرح المفاهيم التعليمية ·
ومع توافر مختبرات التجارب والمدن العلمية
المصغرة والمكتبات وساحات الرياضة البدنية، وبرامج التدريب المستمرة وتأكيد
الجوانب العملية والتطبيقية في التعليم، أصبحت المدارس على اختلاف مستوياتها الابتدائية
والإعدادية والثانوية، عبارة عن جامعات مصغرة، لا يبرحها التلميذ إلا وهو متسلح
بأدوات العلم والمعرفة على أعلى المستويات في الجودة والإتقان، خصوصًا توجيه
التلاميذ ومنذ نهاية المرحلة الابتدائية إلى أسلوب التفكير العلمي السليم، والبحث
العلمي الجاد مع تعزيز قدرات العقل النقدي المتفتح لدى هؤلاء التلاميذ·
ولتحقيق الجودة في نظامنا التعليمي
والتربوي نقترح الحلول التالية:
- توفير الإمكانات والمستلزمات الضرورية
والأساسية للمعلم على مختلف المستويات
(ابتدائي، ثانوي، جامعي) وجعله سعيدًا وفخورًا بمهنته الشريفة، لا أن تكون مهنته عبئًا عليه،
مع التدريب المستمر للمعلم على أحدث الثقافات والمعارف· فضلاً عن ذلك، لا بد من
تقديم الرعاية الحقيقية للتلميذ أو الطالب، وجعله سعيدًا وفخورًا بمدرسته
ومدرسيه، وفسح المجال أمامه للتدريب والانتقال بالمدرسة من بناية ذات قاعات مغلقة
وساعات محددة جامدة إلى المدرسة المفتوحة التي يستطيع الطالب فيها أن يعبر عما
في دواخله بحرية وانفتاح ومرونة·
- لا يمكن للجودة أن تتحقق في التعليم إلا من
خلال تأسيس المنهج الفكري السليم الذي تسير عليه هذه العملية التعليمية، التي تضمن
إضافة للعلوم والمعارف التي يتلقاها الطالب، منظومات القيم الأخلاقية، ونظم
العلاقات الإنسانية، ووسائل الاتصال المتطورة وغيرها من الصيرورات التي تجعل من حياة
الطالب في المدرسة متعة ولذة، فضلاً عن المادة العلمية التي يتلقاها· ومن أهم
أسس المنهج الفكري السليم لتحقيق الجودة في التعليم، صياغة المناهج وفق أسلوب
النظرية الجشطالينة ـ أي الصيغة أو الشكل ـ والتي استفادت من الظاهرانية كثيرًا، ومن خلال طبيعة العلاقة
التكاملية والتضامنية بين الذات والموضوع
وكما بشر بها الفيلسوف هورل·
إن نظرية
الشكل، تصلح لصياغة كل مناهج التعليم على
اختلاف أنواعها ومراحلها، لأنها تعتمد الخبرة الشخصية للفرد، وتعول عليها، إضافة للنظرة
المعمقة للكل بوصفه أكبر من مجموع الأجزاء· لقد حاولت نظم التعليم في الوطن العربي
الاستفادة من هذه النظرية في الصفوف الأولى والثانية من المدارس الابتدائية، لكنها لم
تستفد كثيرًا بالنسبة للمراحل التعليمية الأخرى، بل على العكس، ظل التعليم
روتينيًا وتقليديًا وخاليًا من أساليب التفكير الإبداعي والابتكاري، والتي تعتبر اليوم
أساس البناء المتطور في العملية التعليمية وصولاً إلى الجودة·
الجودة في المعرفة
على الرغم من الصعوبات التي تواجه التربويين والمفكرين في وطننا
العربي بتحديد المادة المعرفية وتسميتها على أنها الأجود والأفضل، تبقى الجودة في
المعرفة مرتبطة بشكل أساس بمستوى الوعي لدى الناس· فكلما تطور التعليم باتجاه الأجود،
أصبحت العقول التي تكتسب الأفكار والعلوم والمعارف أكثر
مرونة وانفتاحًا· وهي بدورها، عندما تكون
على هذا المستوى
من الرحابة والتفتح، تصبح أكثر انجذابًا وتفاعلاً مع المعرفة الجيدة أيًا
كان منبعها وجذورها وأصلها· إن إشكالية
العقل العربي اليوم، أنه يضع الأحكام ويكيل التهم الباطلة أحيانًا على العديد من المعارف، مدعيًا
أنها معارف باطلة أحيانًا، أو مسمومة أحيانًا أخرى حتى أصبح مفهوم "الغزو
الثقافي" أو "الاختراق المعرفي" حاضرًا في العديد من الخطب والكلمات والمقالات والبرامج
الإذاعية والتلفزية، إذ يتسابق بعض الكتاب إلى الحديث عن العولمة مثلاً، مصورًا إياها
بالبشاعة والمؤامرة والاختراق والتحدي· وطبعًا هناك من يصغي ويتعلم ويردد ببغاويًا دون
أن يفهم بجدارة وحذاقة المعنى الحقيقي للعولمة الثقافية والفكرية· إن عولمة
المعرفة مع الاحتفاظ بخصوصيتنا بوصفنا عربًا ومسلمين· تجعلنا نختار الأفضل والأجود
والأحسن في عالم مليء بالسيئ والباطل· ولكن متى نفتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من
العولمة؟؟ نستطيع أن نجازف بهذا المشروع الفكري الحضاري فقط، عندما يزداد وعينا،
وتتقوى معارفنا، ويصبح تعليمنا جيدًا وحرًا ومبدعًا، حيث المرونة والانفتاح في
التعبير عن الرأي من ناحية واحترام الرأي الآخر من ناحية أخرى· وبهذا نستطيع أن
نبدأ الخطوات الأولى على طريق الجودة في التعليم والمعرفة من أجل غد أفضل وحياة أجمل·
رد: الجودة في التعليم والمعرفة
السلام عليكم
أشكرك ياأخي على هذا الموضوع المهم .فالجودة والملائمة أصبحا من بين الخصائص
الأساسية التي يدعو المنظرون والممارسون التربويون على السواء الى توافرها في العمل التربوي,لكسب رهان التنمية والتحد يث المجتمعي.
أشكرك ياأخي على هذا الموضوع المهم .فالجودة والملائمة أصبحا من بين الخصائص
الأساسية التي يدعو المنظرون والممارسون التربويون على السواء الى توافرها في العمل التربوي,لكسب رهان التنمية والتحد يث المجتمعي.
nayma- عضو محترف
-
عدد الرسائل : 265
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 15/02/2008
رد: الجودة في التعليم والمعرفة
بورك فيك
أبويونس- عضو محترف
-
عدد الرسائل : 187
العمر : 57
تاريخ التسجيل : 26/02/2008
مواضيع مماثلة
» المدرسة و الأسرة معا من أجل الجودة...
» الجودة الشاملة والتمييز في المؤسسات التعليمية
» ** الجودة الشاملة والتمييز في المؤسسات التعليمية **
» إصلاح التعليم.
» الجامعة الوطنية لموظفي التعليم تعلن عن اضراب وطني يوم23و24
» الجودة الشاملة والتمييز في المؤسسات التعليمية
» ** الجودة الشاملة والتمييز في المؤسسات التعليمية **
» إصلاح التعليم.
» الجامعة الوطنية لموظفي التعليم تعلن عن اضراب وطني يوم23و24
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى