الأدب الإسلامي والانكسار التاريخي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الأدب الإسلامي والانكسار التاريخي
الأدب الإسلامي والانكسار التاريخي | |
<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td colSpan=3> تقديم يعتبر استيلاء بني أمية على الحكم نقطة تحول كبرى غيرت كل معطيات التاريخ الإسلامي، وهذا ما اعتبره بعض الدارسين انكسار تاريخيا تارة وصدمة حضارية تارة أخرى، وهي أوصاف تعكس الأثر العميق الذي خلفه هذا التحول الجذري في نمط الحكم الإسلامي، حيث أعلن بذلك عن بداية عهد جديد قائم على العض والوراثة والتسلط والقهر والإرغام، بعد العهدين النبوي والراشدي اللذين قاما على الشورى والعدل، فشكلا بذلك العصر الذهبي للتاريخ الإسلامي بكل ما تحمله العبارة من معنى. والواقع أن انعكاسات هذا التحول الجذري في نمط الحكم طالت كل جوانب الحياة الإسلامية، وذلك انسجاما مع المقولة المعروفة بخصوص علاقة الجانب السياسي بمختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية... بحكم العلاقة الجدلية العميقة التي تربط بين مختلف هذه الجوانب. لم يكن الأدب بمعزل عن التغيرات الجذرية التي عرفها المجتمع الإسلامي، بل يمكن القول بأنه كان الأكثر تأثرا بذلك الغليان الذي عرفه المجتمع إثر مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما أعقب ذلك من صراعات سياسية تمظهرت في تنظيمات مذهبية حزبية، عملت على إحياء القيم الجاهلية ممثلة في مختلف النعرات والعصبيات القبلية والعرقية التي هدأت نيرانها طوال العهد النبوي، وعهد الخلفاء الراشدين، غير أنها ظلت قابلة للاشتعال في أية لحظة. لقد تأثر "الأدب الإسلامي" أيما تأثر بهذا الجو السياسي المشحون، وعاش لحظات مخاض عسيرة أفرزت موضوعات وأشكالا أدبية تستحق أكثر من وقفة وأكثر من دراسة. وتوخيا للدقة والوضوح نشير إلى أن المقصود بـ"الأدب الإسلامي" ذلك الأدب الذي أنتج بعد مجيء الدعوة الإسلامية التي غيرت كل ملامح الحياة العربية، وذلك تمييزا له عن الأدب الجاهلي الذي أفرزته المرحلة السابقة عن الإسلام. انطلاقا من ذلك يحق لنا أن نتساءل: ما هي تمظهرات تأثر الأدب الإسلامي بالتغير السياسي الذي عاشه المجتمع العربي الإسلامي ؟ ما هي أسباب هذا التأثر ؟ هل اقتصر التأثر فقط على جانب الأغراض والموضوعات فقط، أم طال حتى جانب الأشكال الفنية ؟ 1 - عهد الفتنة والأدب المفتون: استغرق عهد الخلافة الراشدة ثلاثون سنة بالتحديد النبوي الشريف، فعن أبي داود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء. قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك: أبو بكر سنتين، وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي ستا. كذا قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني بني مروان." حديث حسن. وكان انتقال الحكم إلى بني أمية هو أصل البلاء، وسبب دخول الأمة عهد الفتنة بامتياز، وقد تمخض عن هذا التحول التاريخي مشهدا سياسيا متعدد الألوان، ومختلف الاتجاهات و الأبعاد، وهذا ما يتضح من خلال " الأحزاب " السياسية التي أفرزتها معطيات هذه اللحظة الحضارية الحرجة(1): - الهاشمية: وهو حزب بني هاشم الذي كان قد انتصر لعلي باعتباره الخليفة الشرعي، لأن خلافته قامت على أساس انتخابي صحيح، وعرف هؤلاء بالشيعة، وقد بلور مقتل الإمام علي اتجاههم. - العثمانية: هو الحزب المطالب بدم عثمان الذي قتل ظلما، وهو نفس الحزب الذي ساند معاوية حين تولى بطولة هذا الدور، وتحول فيما بعد إلى الحزب الأموي، وكان يعضده أهل الشام. - الخوارج: وهو حزب المحكمة الذين أنكروا على علي قبوله بتحكيم الناس، وفي خلافته، وكانوا يقولون بأنه لا حاكم إلا الله. وقد تمسك هذا الحزب بالتقاليد الإسلامية الأولى وطالب بإقامة الخلافة على أساس ديني، على أن تكون حقا لكل عربي، وهم في ذلك يخالفون نظرية الشيعة الذين يقصرون الحق في الخلافة على البيت الهاشمي، وقد انقسم هذا الحزب فيما بعد إلى فرق كثيرة كالصفرية والنجدية والإباضية والأزارقة. - المرجئة: وهم الحزب الذي نادى بترك الحكم لله يوم الحساب، وكانوا يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما بلغت ذنوبه ومعاصيه، وقد اعتزل المرجئة الفتنة ولم يخوضوا غمارها، ولم يتحيزوا لفريق على آخر، وهم أساس المعتزلة الذين ظهروا في أواخر عصر الدولة الأموية. وقد كان لكل حزب من هذه الأحزاب موقع ينطلق منه للدفاع عن مواقفه "ففي الحجاز حزب يؤيد ابن الزبير، وفي الشام حزب يعضد بني أمية، وفي العراق الشيعة يدعون إلى بيت الرسول، والخوارج ينكرون ويكفرون هؤلاء جميعا..."(2)، وكان طبيعيا أن يكون لكل حزب من هذه الأحزاب "رأي في الخلافة، ونظر في الدين، وحجة من الكتاب والسنة، وعدة من الخطابة والشعر."(3) ، كما كان طبيعيا جدا أن يكون لكل حزب لسان معبر عن قناعاته ومبادئه وتوجهاته وطموحاته، مما أعاد إلى الساحة صور الحياة العربية الجاهلية بكل ما وسمها من تعصب قبلي، واضطراب سياسي و اجتماعي... تمثل في نشوب الحروب القبلية لأتفه الأسباب، وفي شرب الخمر واستباحة النساء، ولعب القمار، وعبادة الأوثان... ولم يكن غريبا إذا أن يلعب الشعر دورا متميزا في خضم الأحداث الجسام التي عاشتها الأمة، بحيث أصبح الشاعر لسان الحزب السياسي أو المذهب الديني أو الانتماء القبلي، على غرار ما كان عليه الأمر إبان الجاهلية... 2 - الشعر وبداية زمن الفتنة: ذهب بعض الباحثين إلى أن مواقف الحكام من الشعراء في العصر الأموي، انقسمت إلى قسمين: "- القسم الأول: حكام حاربوا كل شاعر يقول الفحش والبهتان، ومن هؤلاء معاوية بن أبي سفيان، فكان يتظاهر بالحلم والعفو، لهذا نراه يأمر مروان بن الحكم بإقامة الحد على الفرزدق، ويتملص مروان من إقامة هذا الحد، والوليد بن عبد الملك أمر بضرب جرير وعمر بن ربيعة لقذفهما المحصنات، وسليمان بن عبد الملك أمر بضرب الأحوص ونفيه، وأقر عمر بن عبد العزيز هذا النفي. - القسم الثاني: حكام شجعوا كل شاعر يقول شعرا فيه فحش وعهارة، ومن هؤلاء يزيد بن عبد الملك الذي أطلق سراح الأحوص، وأمر له بأربعمائة درهم، وبذلك كان يزيد يشجع شعراء الفحش والمجون، ومثل هذا التشجيع نراه في هذا العصر حيث يأخذ الأدباء الذين جندوا أقلامهم لمحاربة الإسلام والمسلمين، والهجوم على العقيدة جوائز ثمينة جدا من بيت مال المسلمين."(4) ، والواقع أن لهذا الانقسام ما يبرره، ذلك أن الصدمة التي هزت المجتمع الإسلامي كانت من العنف بحيث أفرزت مواقف تجاوزت حد الاختلاف إلى مستوى التناقض، بحيث لم يكن من السهل أن يتم تقبل الانتكاسة الأخلاقية التي رجعت بالقيم والمبادئ القهقرى، رغم الفترة الذهبية التي عاشها المجتمع الإسلامي على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى عهد خلفائه الراشدين والتي نقلت المجتمع العربي من واقع الفتنة والصراع إلى واقع الاستقرار والسلام... ويقوم هذا الانقسام أيضا دليلا قاطعا على أن حكام بني أمية لم يكونوا من طينة واحدة من حيث مواقفهم وسلوكياتهم ومبادئهم، بل منهم من شكل استثناء متميزا جعله يلتحق بموكب الخلفاء الراشدين كما هو الشأن بالنسبة لعمر بن عبد العزيز الذي أعاد إلى الأذهان صورة العهد الراشدي بكل ما ميزه من عدل واستقرار وتوازن... ويبقى لهذا الانقسام، ولذلك الاختلاف أكثر من مبرر، وأكثر من مسوغ: - إن البناء النبوي الشامخ المتين، وإن لم يصمد إلا ثلاثين سنة، إلا أنه لم يكن ليتهدم مرة واحدة، ولا ليصبح أثرا بعد عين بين عشية وضحاها، ذلك لأنه كان من المتانة والقوة والصلابة بحيث ظلت جذوره راسخة ضاربة في الأعماق... - انتقال الحكم من خلافة إلى ملك، من شورى إلى استبداد، من دولة تخدم الدعوة، إلى دولة تضطهدها، كل ذلك تم بعد الفتنة الكبرى التي أفرزت حكما عاضا كان معاوية ألفه، ويزيد بن معاوية باؤه، وتوالت الأسماء... 3 - العوامل المؤثرة في "الأدب الإسلامي" على عهد بني أمية: ثمة عوامل كثيرة أثرت في الأدب العربي على عهد بني أمية ترجع كلها في الواقع إلى العامل السياسي المتمثل في تحول نمط الحكم من "خلافة" إلى "ملك"، وهكذا يمكن إجمال هذه العوامل في النقط الآتية(5): - خمود العصبية الجاهلية في عهد الرسول، ثم استعارها في عهد بني أمية. - نشوء الروح الدينية. - تغير العقلية العربية. - تحسن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية. - ظهور الأحزاب السياسية. - اتساع الفتوح الإسلامية، وتأثير الأمم الأجنبية بلغاتها وعاداتها واعتقاداتها وأدبها. - أساليب القرآن والحديث، والمأثور الصحيح من الشعر الجاهلي والأمثال. هكذا يبدو أثر العامل السياسي بشكل جلي، فتحول نمط الحكم أدى إلى ظهور الأحزاب السياسية المختلفة، كما أدى إلى اشتعال الصراعات العصبية بشكل مثير للغاية، وقد نتج عن ذلك أن كثر الجدل والنقاش والخصومات الفكرية بين مختلف الفرق مما أدى إلى اتساع العقلية العربية، أما نشاط حركة الفتوح فقد أدى إلى الانفتاح على ثقافات وحضارات جديدة، كما أدى إلى ظهور فوارق اجتماعية بين فئات استفادت من الأوضاع الجديدة فاغتنت، وفئات فقيرة محرومة تشكلت في الأغلب الأعم من الموالي ذوي الأصول غير العربية الذين ظلوا يتربصون الدوائر للانتقام لوضعهم، مما أفرز ما عرف فيما بعد ما عرف بالنزعة الشعوبية. نستطيع أن نفهم انطلاقا من كل ذلك سر ظهور بصمات المجتمع الجاهلي من جديد بعدما اختفت طوال عصر صدر الإسلام، فقد سادت من جديد قيم الصراع لأتفه الأسباب و الأخذ بالثأر والتعصب للنسب والعشيرة كما أدى ضعف الوازع الديني إلى تفشي ظواهر الفساد الاجتماعي كشرب الخمر واستباحة النساء والتعاطي للهو والغناء... وهي المظاهر التي قضى عليها الإسلام قضاء تاما، ويسعفنا حديث للرسول صلى الله عليه وسلم في فهم ثبات البدو على ما جبلوا عليه من فظاظة وتعصب ومهاجاة... يقول عليه الصلاة والسلام: "إن مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ."، وهذا ما يفسر ارتداد الكثير من الأعراب إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يفسر "شيوع الغناء والشراب والغزل في مدن الحجاز وانبعاث العصبية ونزاعها بين القحطانيين والعدنانيين، وبين الهاشميين والأمويين، واشتدادها في عهد بني أمية، وهذا يفسر لنا بقاء الشعر الأموي على نمط الشعر الجاهلي في طريقته وطبيعته دون أن يتأثر بروح الإسلام لا كثيرا ولا قليلا، إذ كان جمهور الشعراء إنما يصدرون عن البادية ويعبرون عن نوازي العصبية في الأحزاب والقبائل."(6)، هذا التشابه الكبير بين الشعر الجاهلي والشعر الأموي لم يقتصر على مستوى الموضوعات والأغراض الشعرية فحسب، بل طال مستوى البناء الفني واللغة والأسلوب والصور الشعرية... وهي قضايا سنرجئ مناقشتها إلى مناسبة أخرى، لنركز حديثنا على أغراض شعرية ترسم صورة المجتمع الأموي بكل ما ميزه من غليان واضطراب وصراع... وهذه الأغراض الشعرية هي: الهجاء والغزل والخمريات. </TD></TR></TABLE> |
رضوان أعبيدا- عضو فعال
-
عدد الرسائل : 39
العمر : 52
تاريخ التسجيل : 09/02/2008
أبويونس- عضو محترف
-
عدد الرسائل : 187
العمر : 57
تاريخ التسجيل : 26/02/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى