أسرة التعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

على السفود

اذهب الى الأسفل

على السفود Empty على السفود

مُساهمة من طرف رضوان أعبيدا الأربعاء يونيو 18 2008, 12:59

على السفود Bismlah
كتاب على السفود للرافعي
على السفود Vide
على السفود Vide
<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td colSpan=3>
لم يكن الرافعي شهابا لاح في سماء الأدب لم يلبث أن مضى وتلاشى، بل كان كوكبا متلألئا مضيئا، لم يبرح كبد السماء، ولم تزده الأيام إلا ألقا وبريقا.
ولا غرو فقد تملك الرافعي ناصية البيان، وتربع على عرش الأدب، وأوتي من جمال التعبير وحسن الديباجة ما يأخذ بعقول قارئيه، صادرا في ذلك كله عن ثقافة إسلامية أصيلة، ومعرفة لغوية عميقة، وإحاطة بالتراث العربي واستظهار له، مع نظرة فلسفية متأملة، وزاد معرفي جبار، حتى لتخاله قد قُدَّ عوده من العربية بعبقريتها وروعتها وجلالها، ولقد صدقت فيه نبوءة الزعيم المصري الكبير مصطفى كامل، فيما كتب إليه مقرظا ديوانه: "سيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي قال الناس: هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان".
تقلَّب الرافعيُّ في عصر فيه كلُّ ألوان الطَّيف، تراه زاهرا في جوانب منه، مضطربا متقلقلا في جوانب أخرى، ومن مظاهر ذلك الاضطراب: كثرةُ الصراعات الفكريَّة والأدبية، وهو مظهر فيه ما له وفيه ما عليه، ولعل من أهمِّ ما يُحسب له ما تمخضت عنه تلك المعارك من نتاج فكري وثقافي وأدبي، أغنى الحياة الثقافية في مصر والعالم العربيِّ، وما زالت آثاره بيِّنة جلية في ثقافة أدبائنا وفكر مفكرينا في أيامنا هذه.
وقد عاش الرافعيُّ عصره كما هو، راكبا فيه الصعب والذلول، لابسا لكل موقف لبوسه، فارسا من فرسان الميدان غير مدافع.
ومن أشهر معاركه الأدبية وصراعاته الفكرية التي حمي فيها الوطيس واشتد الأُوار، ما كان بينه وبين الأديب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد، فقد كتب الرافعي في نقده مجموعة مقالات دامغة بعنوان: "على السَّفوُّد"، أصلاه بها نارا حامية، نائيا فيها عن حدود النقد الأدبي، إلى التشهير والسخرية، وما لا يليق.

بدء الخلاف بين الرافعي والعقاد:

ذهب صديق الرافعي الأستاذ الأديب محمد سعيد العُريان في كتابه "حياة الرافعي"(1) إلى أن ابتداء الخصام بين الرافعي والعقاد كان بسبب كتاب الرافعي "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1912م(2)، ثم أمر الملك فؤاد بطبعه على نفقته تقديرا للكتاب ولصاحبه، وقد صدرت هذه الطبعة الملكية سنة 1928م.
ويضيف العُريان أنه لم يكن بين الرجلين قبل صدور الطبعة الملكية من الكتاب إلا الصفاء والوُدُّ.
ولاقى "إعجاز القرآن" قبولا كبيرا من الأدباء والنقاد، ونال به الرافعي مكانة سامية بينهم، حتى كتب في تقريظه والثناء عليه زعيم مصر سعد زغلول كلمته الذائعة السيّارة:
"وأيَّدَ (كتاب الرافعي) بلاغة القرآن وإعجازه بأدلة مشتقة من أسرارها، في بيان يستمد من روحها، بيان كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم".
ويلتقي الرافعي العقاد في مقر مجلة المقتطف، سنة 1929م، ويسأله عن رأيه في كتابه، فيفْجَؤُه، العقاد برأي شديد، فيه قسوة وغلظة، يسفه فيه كتابه، ولم يكتف بذلك حتى اتهم الرافعي بتزوير تقريظ سعد زغلول –آنف الذكر- ونحله إياه؛ دعاية للكتاب وترويجا له(3).
غضب الرافعيُّ من افتراءات العقاد أشد الغضب، وحَنِقَ عليه كل الحنق، وكتم نفسه على مثل البركان يوشك أن يثور.
وما ذهب إليه العريان من أن هذا اللقاءَ كان أول الصراع بين الأديبين فيه نظر، فقد تقدم من العقاد نقد للرافعي فيه شدة وسخرية وتَجَنٍّ(4).
ففي سنة 1914م كتب العقاد مقالة نشرها في صحيفة المؤيد بعنوان: (فائدة من أفكوهة) عقب فيها على قول للرافعي في الجزء الأول من كتابه "تاريخ آداب العرب"، وختم مقالته بقوله: "فإن شاء عددنا كتابه كتاب أدب، ولكنا لا نعده كتابا في تاريخ الأدب؛ لأن البحث في هذا الفن متطلب من المنطق والزَّكانة ومعرفة النُّطق الباطني ما يتطلبه الرافعي من نفسه ولا يجده في استعداده".
وفي سنة 1920م نشر الرافعيُّ نقدا لنشيد أمير الشعراء أحمد شوقي الذي مطلعُه:
بني مصر مكانكم تهيَّا *** فهيا مهدوا للمُلك هيا
فتصدى له العقاد سنة 1921م بمقالة نشرها في الجزء الثاني من "الديوان في الأدب والنقد" بعنوان: (ما هذا يا أبا عمرو؟!)، اتهمه فيها بسرقة ما كتبه في الجزء الأول من "الديوان" في نقد نشيد شوقي آنف الذكر، وقد اتسمت مقالة العقاد بالشدة والقسوة، والسخرية اللاذعة، والهجوم العنيف على شخص الرافعي.
وإذن لم يكن ما جرى بين الأديبين الكبيرين في لقاء دار المقتطف أول الخصومة بينهما.

العَفيفي (على السَّفُّود):

السَّفُّودُ في اللغة: هو الحديدة يشوى بها اللحم، ويسميها العامة: (السِّيخ). ويُجمع السفود على سفافيد، ومن تناوله السفود يقال فيه: مسَفَّد؛ لأن تسفيدَ اللحم نًظْمُه في تلك الحديدة للاشتواء.
ولم يكن العقاد أول من سفده الرافعي، بل سفَّدَ قبله الشاعر عبد الله عفيفي الذي كان يطمح أن يكون شاعر الملك فؤاد بدلا من الرافعيِّ(5)، ونظم في مدح الملك عددا من القصائد، وكان الرافعي يراه لا يرقى أن يكون ندا له، بلهَ أن يحتل مكانه، فوجد عليه مَوجِدَةً عظيمة، وقرر أن يكتب في نقده، وحقا انقضًَّ عليه بثلاث مقالات عنيفة نشرها بمجلة العُصور لصاحبها إسماعيل مظهر، وجعل عنوان مقالاته: (على السفود)، وصم فيها عبد الله عفيفي بالغفلة وضعف الرأي وقلة المعرفة وفساد الذوق، وقد اختار لمقالاته ذلك العنوان؛ إشارة إلى ما تضمنته من نقد مؤلم لاذع، أشبه بنار متأججة لا تذرُ من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرَّميم.
ولكنَّ الرافعيَّ لم يكن موفقا حين اختار –في مقالاته الثلاث- نقد ثلاث قصائد لخصمه في مديح الملك؛ فقد جر ذلك عليه غضب القصر الملكيِّ، ومن ثم قُطعت حبال الود بينه وبين القصر، ليفوز العفيفيُّ بمكانه شاعرا للملك(6).

العقَّاد (على السفود):

عرض الأستاذ إسماعيل مظهر على الرافعي أن يكتب في نقد شعراء آخرين، فلاقى ذلك في نفسه هوى، وأسرع إلى ذاكرته لقاؤه بالعقاد في دار المقتطف، ولم يكن ناسيا مقالتيه: (فائدة من أفكوهة)، و(ما هذا يا أبا عمرو؟!)، فألفاها فرصة سانحة للانتقام من العقاد، وللثأر لكرامته، فافترسه بسبع مقالات طاحنة، نشرها تباعا في مجلة العُصور، مُغفَلَةَ النسبة، وجعل عنوانها أيضا: (على السفود). نقد فيها ديوان العقاد، وحشد فيها من مُرّ الهجاء، وقوارص القول، وصُنوف الذمِّ والقدح المُقْزِع، ما يمكن أن يستخرج منه معجم لألفاظ الثلب والشتم.
وإليكم عناوين السفافيد السبعة، مع ذكر تواريخ نشرها:
السفود الأول: عباس محمود العقاد، نشر في عدد شهر تموز/يوليو، 1929م.
السفود الثاني: عضلات من شراميط، نشر في عدد شهر آب/أغسطس، 1929م.
السفود الثالث: جبار الذهن المضحك، نشر في عدد شهرأيلول/سبتمبر، 1929م.
السفود الرابع: مفتاح نفسه وقُفْلُ نفسه، نشر في عدد شهر تشرين الأول/أكتوبر 1929م.
السفود الخامس: العقاد اللص، نشر في عدد شهر تشرين الثاني/نوفمبر، 1929م.
السفود السادس: الفيلسوف، نشر في عدد شهر كانون الأول/ديسمبر، 1929م.
السفود السابع: ذبابة لكن من طراز زِبْلِن، نشر في عدد شهر كانون الثاني/يناير، 1929م.
وقدّم الرافعي بين يدي كل سفود من تلك السفافيد بيتين من الشعر، بما تضمنته تلك المقالات من نقد فاتك مُحرق، يقول فيهما:
وللسفـــود نـار لو تلَقَّتْ *** بجاحِمِها حديدا ظُنَّ شحمـا
ويشوي الصَّخرَ يتركُه رمادا *** فكيفَ وقد رميتُك فيه لحما؟!

الدافعُ إلى مقالات (السفود):

يصرِّحُ الرافعيُّ بأن الدافع لكتابته هذه المقالات هو الغيرةُ على القرآن وإعجازه، يقول: هذا أسلوب من الردِّ قصدتُ به الكشف عن زيف هذا الأديب والزراية بأدبه، حتى إذا تقررت منزلته الحقيقيةُ في الأدب عند قرَّاء العربية، لا تراهم يستمعون لرأيه عندما يهُمُّ بالحديث عن إعجاز القرآن، وهل يُحسِن الحديث عن إعجاز القرآن من لا يستقيم منطق العربية في فكره، ولا يستقيمُ بيانُها على لسانه(7)؟!
ويشكِّكُ العُريان في أن تكون مقالات السفود غضبة خالصة لله للقرآن؛ لأن هذه المقالات خَلت من أي ذكر لقضية إعجاز القرآن، وليس فيها إلا نقد ونقض لديوان العقاد!
أما الدكتور علي عبد الحليم محمود فإنه يقطعُ بنفي أن تكون هذه المقالات كتبت انتصارا لإعجاز القرآن، ومن هنا يرفُضُ أن يَعُدَّ ما كتبه الرافعي فيها اتجاها إسلاميا في أدبه(Cool.
ومما يُرجِّح هذا الرأي أن الرافعي لم يكن ليُغفل في نقده للعقاد هذه القضية بتَّةً، على خطورتها، إذا ما كانت المحرض الرئيس على إنشاء تلك المقالات، وهو الذي أثار زوبعة من الهجوم الكاسح على طه حسين ردا على آراء له في كتابه "الشعر الجاهلي" تُناقض القرآن، وتشكك في بعض آياته، وكتبَ في ذلك كتابه القيِّم "تحت راية القرآن"، لم يُدار فيه ولم يُجمجم.
بيد أن ذلك لا يمنع أن يكون موقف العقاد من تأليف الرافعي في الإعجاز أحد أسباب غضبة الرافعي الكبرى، بل هو كذلك، تنضم إلى أسباب أخرى، مدارها على اختلاف وجهة الرجلين في الفكر والنظر، وأن لكل منهما في الأدب طريقا ومذهبا.
يقول محمد الكتاني(9): "ولو أخذنا بالخلاف بين الأديبين في أية مناسبة من مناسبات الخلاف بينهما، فإن هذا الخلاف يرتدُّ إلى ذلك التباين في النظرة إلى الأدب، ومنهج الدرس، والموقف النقدي، وكل ما يتصل بعد ذلك بالكتابة الفنية، والشعر، وفهم النصوص، ونوعية القيم المنشودة فيها، ودراسة التراث الأدبي، وكل ما يتفرع عن هذه القضايا من وسائل مختلفة يُعنى بها النقاد".



مجمل مآخذ الرافعي على العقاد:

تقدم فيها اقتبسنا من مقدمة الرافعي إشارة إلى شيء من مآخذه على العقاد، ونذكر هنا بإيجاز جملة من ذلك:
من أول مآخذه عليه: ما يراه فيه من ضعف في اللغة والأسلوب والصنعة البيانية، وقد صرح بذلك في (السفود الأول)(11) يقول: "ويدعي العقاد أنه إمام في الأدب، فخُذ معنا في تحليله: أما اللغة فهو من أجهل الناس بها وبعلومها، وقلَّما تخلو مقالة له من لحن، وأسلوبه الكتابي أحمق مثله، فهو مضطرب مختل، لا بلاغة فيه، وليست له قيمة، والعقاد يقر بذلك، ولكنه يعلل أنه لا يريد غيره، فنفهم نحن أنه لا يمكنه غيره".
ويلح الرافعي أن أكثر شعر العقاد قائم على سرقة المعاني وانتحالها، من غير أن يضع لها تعليلا أو يزيد فيها زيادة، أو يجعل لها سياقا ومَعرضا، أو نحو ذلك مما يسوِّغ أخذه إياها، وقد استشهد الرافعي لذلك بغير قليل من شعره، يورد أبياته أولا، ثم يُتبعها بالشعر القديم الذي سطا عليه العقاد، مبيِّنا البَون البعيد ما بين الأصل الجيد والمسروق المزيف، في دقة المعاني ورُواء الأسلوب.
ويرى الرافعي أن للعقاد بضعة أبيات حسنة لا بأس بها، وألوفا من الأبيات السخيفة المخزية، التي لا قيمة لها في المعنى، ولا في الفن، ولا في البيان؛ وذلك دليل قاطع لاشد فيه أن الأبيات الحسنة مسروقة، جادت بها قريحة أخرى، هيهات أن يكون عند العقاد قليل منها. ولا يفوتنا التنبيه على أن السفود الخامس عنونه الرافعي بـ: (العقاد اللص).
ومما ينكره عليه أيضا: تكراره المعاني في الأبيات، وكثرة أخطائه في التشبيه وفي العروض، وأنه لا يفهم ما يكتبه، مما يجعل شعرَه ككلام الجرائد!
وأزرى به دمّعيا جهله باستعمال الألفاظ؛ اختيارا، ومزجا، وتركيبا، وملاءمة بينها، وإخراجا للألوان المعنوية من نظمها وتركيبها.
كما نفى الرافعي عن العقاد الخيال الشعري، وذوق الشعر، والقدرة على العبارة الصحيحة الشاعرة عنه، فيكون العقاد بذلك شاعرا بلا شاعرية!
ولعل من نافلة القول أن نذكِّر: أن الرافعي لم يكن محقا في كل ما نبز به العقاد، بل في مقالاته هذه غير قليل من التجني والتهويل والمبالغة!!


الخاتمة:

وبعد، فقد بلغنا الغاية من الحديث عن المعركة بين الرافعي والعقاد التي أثمرت كتاب (السفود)، ولقد "تنفس العمُر بالعقاد دهرا بعد الرافعي، وخرج من كثير مما كان يشغله في معترك الحياة العامة ومطالبها ونكدها أحيانا، وفرغ لجملة من مباحث الفكر والأدب العربيين، اقترب فيها أشواطا كثيرة مما كان الرافعيُّ أخلص له نفسَه، إلا أنه صنع ذلك بأسلوبه، وبانتحاءات فكره، وطريقته التي يُقبِل بها على الأشياء.
والرافعي والعقاد كل منهما عبقرية على حدة، وكلاهما بحر زاخر، وأفق من الفكر والأدب عظيم، وقد رجع الرجلان كلاهما تراثا من تراث الفكر والأدب العربيين، يعتد به المعاصر، ويشد به يده، ويحرص عليه"(13).

َ


</TD></TR></TABLE>

رضوان أعبيدا
عضو فعال
عضو فعال

ذكر
عدد الرسائل : 39
العمر : 52
تاريخ التسجيل : 09/02/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى